إذا كنت تستخدم متصفح جوجل كروم الآن، وحاولت مراقبة استهلاك ذاكرة الوصول العشوائي (الرام) في مدير المهام، فستلاحظ أنه صاحب النصيب الأكبر ويعلو قائمة أكثر البرامج استخداماً لمساحة الذاكرة "Memory",,,ولكننا أصبحنا معتادين على هذا الأمر. ولكن هذا ما يجعلنا نتساءل، لماذا تحديداً متصفح جوجل كرم !، ولماذا يتعطش لهذه المساحة الضخمة من الذاكرة، وما الذي يمكننا فعله لإبقاءه تحت السيطرة بأكبر قدر ممكن.

جوجل كروم يستهلك ذاكرة الرام أكثر من أي متصفح آخر ؟


الإجابة هي نعم، بالفعل لسنوات طويلة كنا نلاحظ أن متصفح جوجل كروم متعطشاً لذاكرة الوصول العشوائي أكثر من أي متصفح آخر، على الرغم من ذلك أغلبنا لا يستطيع الحياد عنه واستخدام أي متصفح بدلاً منه. ولكن في عام 2020 خرجت مراجعة من إحدى مواقع مراجعات البرامج والتطبيقات التي تقارن بين مساحة الرام المستخدمة على أكثر متصفحات الإنترنت شهرة واستخداماً في الوقت الحالي. اشتملت هذه المراجعة على متصفح جوجل كروم وفايرفوكس وأوبرا وسفاري وإيدج أيضاً.

المراجعة كانت بسيطة جداً ويمكن لأي أحد منا تنفيذها في دقائق معدودة، فقط قم بتثبيت جميع المتصفحات التي ذكرناها، ثم قم بفتح نفس تبويبات مواقع الإنترنت على جميع المتصفحات وقارن بنفسك ما هي مساحة ذاكرة الرام التي يستهلكها كل متصفح على حدة، فقد اشتملت بيئة المراجعة على تبويبة لصفحة الفيسبوك وتبويبة أخرى لإحدى مقاطع الفيديو على موقع TouTube وتبويبة لموقع جريدة BBC الرياضية وتبويبة لموقع تويتر. أي اشتملت على أربعة صفحات مختلفة فقط، يمكنك تنفيذها الآن إذا كان لديك فضول لتجربة هذه المراجعة. النتيجة كانت مفاجأة.

أنظروا بأنفسكم، بوضوح شديد متصفح جوجل كروم يقف بكل شموخ في المنتصف، ولكن هل هذا يعني أنه اختلف في طريقة عمله واستهلاكة لذاكرة الوصول العشوائي خلال الأعوام القليلة الماضية ؟. ربما الإجابة هي لا لم يختلف كثيرا، السبب أن هناك دلائل كثيرة تشير إلى احتياجه وتعطشه الدائم لمساحة الذاكرة أكثر من أي متصفح آخر، بل من الممكن حتى أن تختلف نتائج المراجعة معك وتكتشف في النهاية أنه أكثر المتصفحات استخداماً لمساحة الذاكرة. ولكن تذكر أن متصفح جوجل كروم أحد أسرع متصفحات الإنترنت في الوقت الحالي، وربما هذا هو السبب الذي يجعله في احتياج مساحة ذاكرة الرام الضخمة كي يعمل بهذه السرعة مع مستخدميه.

كيف يعمل متصفح كروم أو بقية المتصفحات بوجه عام ؟


بطبيعة الحال تعتمد جميع تطبيقات وبرامج الكمبيوتر على ذاكرة الوصول العشوائي في تنفيذ عدد من العمليات وتخزينها لوقت لاحق، فهي بمثابة ذاكرة تخزين مؤقتة فائقة السرعة لجميع أنواع البيانات، والتي تسمح للمعالج المركزي الوصول إلى هذه البيانات أسرع من وصوله إليها إن كانت على ذاكرة أقراص التخزين…حتى وإن كانت من أنواع الحالة الصلبة NVMe PCIe.

بالنسبة لتطبيق متصفح جوجل كروم، فهو يعمل على تخزين كل علامة تبويب (صفحة) أو مكون إضافي (Plugin) أو امتداد (Extension) في عملية فردية على حدة بذاكرة الوصول العشوائي، تعرف هذه العملية في نظام عمل الذاكرة بعملية "Isolation" أو بالعزل، وفيما معناها أنها تعزل وتمنع تداخل أو كتابة تعليمات العمليات المستجدة على أي من العمليات الفردية الأخرى.

ولهذا السبب إذا حاولت فتح مدير المهام "Task Manager" أثناء استخدام العديد من الصفحات المبوبة ستلاحظ عدة إدخالات مختلفة عن بعضها البعض، وكل إدخال منها يستهلك نسبة قليلة من ذاكرة الرام، ولكن إذا حاولت تجميع المساحة المستهلكة لكل هذه الإدخالات فستكتشف أن نسبة استهلاك ذاكرة الوصول العشوائي مرتفعة جداً.

لماذا يعمل متصفح جوجل كروم بهذه الطريقة ؟


ليس متصفح جوجل كروم فحسب، بل معظم المتصفحات الحديثة تعتمد على عملية "Isolation" في طريقة عملها لتخزين عمليات كل تبويبة على حدة في ذاكرة الرام، وهذا ما يتسبب في استهلاك المتصفحات مقدار ضخم من الذاكرة. في الواقع، تعتمد المتصفحات على هذه الطريقة لسببين، الأول وهو السرعة الأعلى في تحميل التبويبات وما تحتويه من مكونات إضافية، والسبب الثاني من أجل تحقيق الاستقرار الأفضل في نظام عمل المتصفح.

فإذا فشلت إحدى المكونات الإضافية أو الامتدادات عن التحميل بشكل صحيح في بعض التبويبات المفتوحة، فمن السهل أن تحاول إعادة تحميل تبويب الصفحة من جديد. ولكن ماذا يحدث لو كانت المكونات الإضافية في أكثر من تبويبة واحدة بداخل عملية تخزين واحدة في ذاكرة الوصول العشوائي ؟، في هذه الحالة إن فشلت إحدى المكونات أو الامتدادات فسيفشل المتصفح بالكامل، مما ينتج عنه حالة تجميد المتصفح أو حتى انهياره بالكامل والاضطرار إلى معاودة تشغيله من جديد.

وهذه إحدى أهم أسباب استخدام جوجل كروم لمساحة الذاكرة الأكبر مقارنة بأي متصفح آخر يعتمد على التخزين الأحادي للعمليات المختلفة بدلاً من تقسيمها. ولكن يعتمد جوجل كروم على هذه الطريقة من أجل البحث عن المزايا الأمنية الإضافية مثل وضع الحماية Sandboxing أو الأجهزة الافتراضية. على سبيل المثال إذا حدث هجوم من نوع ما عن طريق JavaScript في علامة تبويب فردية، فلن يسمح كروم لعبورها إلى أي علامة تبويب أخرى بداخل المتصفح.

ولكن المتصفحات ليست عمليات على هيئة صفحات مبوبة ومكونات إضافية فحسب، إذ تعتبر عملية التحليل والعرض المسبق "Pre-Rendering" من أهم عمليات متصفح جوجل كروم التي تتيح التهيئة والاستعداد من أجل الانتقال إلى تحميل تبويبة جديدة تالية بعد الانتهاء من تحميل تبويب الصفحة الحالية. على سبيل المثال الانتقال من تبويبة صفحة الفيسبوك إلى تبويبة جديدة لتحميل صفحة تويتر.

مما لا شك فيه أن عملية "Pre-Rendering" ستحتاج إلى مورد متاح من أجل تخزين بياناتها المستجدة، وبالتأكيد هي لن تجد صديق حميم أفضل وأسرع من ذاكرة الرام. على الصعيد الإيجابي يستفيد متصفح جوجل كروم من هذه العملية في توفير تجربة تصفح سريعة جداً لمستخدميه. ولكن إن لم تسمح ذاكرة الرام بوجود المساحة الكافية لهذه العملية فسينتج عنها تجربة استخدام بطيئة للغاية.

هل حقاً جوجل كروم يستهلك نسبة كبيرة من ذاكرة الرام


الأمر يختلف حسب طريقة الاستخدام نفسها، حيث تلعب عدد تبويبات الصفحات المفتوحة والمكونات والامتدادت الإضافية لمحتوى هذه الصفحات وطول الفترة الزمنية عاملاً أساسياً في مساحة الذاكرة المستخدمة. في بعض الحالات تكون نسبة استهلاك الذاكرة تحت السيطرة، ولكن في بعض الحالات الأخرى ستتفاجئ بمدى تعطش المتصفح لاستنفاذ أكثر من نصف الذاكرة المتوفرة لديك في الكمبيوتر.

استهلاك المتصفح لنسبة كبيرة من مساحة الذاكرة ليست مشكلة في حد ذاتها إن كان لديك في الكمبيوتر مساحة الرام الكافية للتعامل مع هذا الأمر، في الحقيقة تميل جميع التطبيقات للاعتماد على ذاكرة الوصول العشوائي من أجل تسريع تنفيذ العمليات والاستجابة بشكل أفضل لأوامر المعالج المركزي.

ولذلك دائماً ننصحكم بعدم الاعتماد على برامج تنظيم وتسريع الرامات، لأنها تتسبب في حذف المعلومات الناتجة من العمليات التي تمت في وقت سابق، وبهذا الشكل سيكون المعالج المركزي في حاجة لاتمامها من جديد ثم تخزينها مرة ثانية في الذاكرة أيضاً، ولكن من الممكن أن يكون الأمر أسوأ من ذلك، على سبيل المثال إذا تسببت برامج التنظيف في حذف معلومات خاصة ببعض العمليات النشطة في الوقت الحالي، مما ينتج عنه تجميد لنظام الويندوز أو حتى انهياره تماماً، وكذلك نفس الأمر بالنسبة للهواتف الذكية. فلا داعي أبداً من الاعتماد على برامج تنظيف الذاكرة إلا في الحالات القصوى ومن الأفضل عدم الاعتماد عليها تماماً.

ولكن إن لم تتوافر مساحة الذاكرة الكافية لمتصفح جوجل كروم سيكون الأمر بمثابة اندلاع حرب بينه وبين بقية البرامج الأخرى في التصارع على اكتساب المساحة المتبقية من الذاكرة، وسيفوز كروم في تلك الحرب وسيتمكن من تخزين معلوماته ، وبالتالي لن تتمكن البرامج أخرى في العمل بشكل صحيح.

بالنسبة للغير متمرسين في استخدام الكمبيوتر ستكون معهم المشكلة بسبب فتح العديد من مواقع الإنترنت في وقت واحد دون أن يتأكدوا من حجم ذاكرة الرام في أجهزتهم. إذا لم تلاحظ بطئ في الأداء العام أثناء فتح العديد من الصفحات فحينها يمكننا التنبؤ أن لديك ذاكرة وصول عشوائي كافية، ولكن إذا كان حجم الذاكرة أقل من 4 جيجابايت فمن الطبيعي أن تواجه مشاكل تأخير تشغيل التطبيقات وبطئ الأداء أثناء التصفح.

كيف تتخلص من استهلاك متصفح كروم لذاكرة الرام الكبيرة


في الواقع لا يوجد الكثير لفعله سوى شراء قطعة رام إضافية للكمبيوتر، ولكن في نفس الوقت توجد بعض الطرق التي تساعد على تسريع تجربة التصفح من خلال كروم، الأداة الأكثر أهمية هي Chrome Task Manager، ويمكن فتحها بالنقر فوق مفتاحي Shift+Esc، الأداة شبيهة تماماً لمدير المهام الخاص بالويندوز، حيث تعرض لك كل تبويبة ومكون إضافي نشط بداخل المتصفح وتجعلهم تحت تصرفك الشخصي، من خلالها يمكن إنهاء بعض العمليات التي لم تعد ضرورية لك في الوقت الحالي لتقليل مساحة الرام المستخدمة، عن طريق اختيار العملية التي ترغب في تعطيلها ثم بالنقر فوق End Process.

قم بالبحث عن التبويبات والإضافات التي تستهلك مساحة كبيرة من الذاكرة، في بعض الأحيان من الممكن لعلامة تبويب واحدة أن تستهلك ثلث المساحة الإجمالية المستخدمة من المتصفح… وقد يكون ناتج عن خطأ ما أو سوء تهيئة. ولكن احذر من أن تتسبب في تجميد المتصفح أو حتى نظام التشغيل بالكامل.

أيضا يحتوي متصفح جوجل كروم على بعض المزايا السرية والمعروفة بمسمى "Flags"، من خلالها يمكن أن نأمر المتصفح بتجاهل بعض التبويبات المفتوحة الغير مستخدمة في الخلفية تلقائياً، ليتركها في وضع الخمول. يعتمد متصفح كروم على هذه الخاصية عندما يواجه انخفاض ملحوظ في مساحة ذاكرة الوصول العشوائي المتاحه، سيترك علامة التبويب بمكانها دون أن يغلقها ولكنه سيتجاهل تحميل أي محتوى بداخلها لحين رجوعك لها من جديد. ولتفعيل هذه الميزة اكتب في شريط البحث chrome://flags ثم قم بالبحث عن automatic tab discarding وتأكد من تفعيلها باختيار Enable. إن لم تتمكن من إيجادها فربما تحتاج لإضافتها في مجموعة الامتدادات المدمجة بالمتصفح ثم تفعيلها. 

في الختام، ربما يكون متصفح جوجل كروم إحدى أشهر المتصفحات وأكثرها استخداماً لذاكرة الرام، ولكنه في نفس الوقت أسرعها وأكثرها استقرارً أثناء التصفح، وهذه التجربة السريعة لم تنتج إلا بفضل اعتماده على مساحة ذاكرة الوصول العشوائي المتاحة. إذا كانت استخداماتك بسيطة، فمن الممكن أن لا تحتاج أكثر من 4 جيجابايت فقط، ولكن إذا كنت تتعامل مع برامج الأعمال الإنتاجية في نفس وقت تصفحك للإنترنت فمن الضروري توفير ذاكرة لا تقل عن 8 جيجابايت,,ومن الأفضل إذا كانت 12 جيجابايت. ربما هناك بعض المتصفحات الأخرى التي لا تستهلك الذاكرة بنفس النسبة التي يستهلكها كروم، فإذا كنت تمتلك لاب توب لا يحتوي على الموراد الكافية، فقد يكون هذا هو الوقت المناسب للحياد عن كروم لبعض الوقت حتى تتمكن من ترقية مساحة الذاكرة.