في إحدى المرات التي كنت فيها بصدد صرف مبلغ مالي من صراف آلي، تصادف أن كان نظام الصراف لتوه قد بدأ في العمل، وقبل أن تظهر لي نافذة التعامل الإلكترونية لاحظت وجود واجهة سطح المكتب لإصدار من إصدارات ويندوز العتيقة، بالإضافة إلى سهم الويندوز المعروف وهو يتحرك نحو قائمة "Start" ليقوم بعدها بتشغيل برنامج اتضح أنه برنامج السحب الآلي، لتختفي بعدها واجهة ويندوز وتظهر لي واجهة برنامج السحب والإيداع.
لم تكن المفاجأة بالنسبة لي استخدام نظام ويندوز في تشغيل نظام الصرافات الآلية، بل كانت المفاجأة أن النظام الذي يستخدمه البنك في هذه العملية الحساسة هو نظام ويندوز 7 الذي توقف دعمه منذُ يناير 2020، أي قبل أكثر من عام وقتها، ليكون السؤال: لماذا لا تزال العديد من البنوك والشركات تستخدم إصدارات ويندوز القديمة ؟
إضافة إلى هذه الحادثة فقد تكون أنت أيضاً قد لاحظت أن معظم الشركات أو المؤسسات الحكومية، غير المختصة بالتقنية، في العادة قد تستخدم إصدارات قديمة لويندوز على أجهزة الموظفين، كما أن صورة متداولة نشرتها صفحة عالم الكمبيوتر قبل أيام، أظهرت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مكتبه بجانب حاسوبه الذي اتضح أنه يعمل بويندوز 7، ويعود تاريخ نشر الصورة إلى بداية 2022 أي بعد من عامين من توقف دعمه رسميًا من شركة مايكروسوفت.
أيضًا أظهرت دراسة أجراها موقع Spiceworks والتي شملت عددًا من الشركات في كل من شمال أمريكا وأوروبا أن 32% من الشركات ما زالت تستخدم ويندوز XP على أجهزتها، بالإضافة إلى 79% ما زالت تستخدم ويندوز 7، فهل يوجد تفسير وأسباب منطقية لهذه الظاهرة ؟ سنحاول أن نوضح بعض الأمور التي من شأنها أن تجعل الشركات وبعض الشخصيات المرموقة تتمسك بهذه الأنظمة القديمة.
حينما تعلن مايكروسوفت أنها توقفت ن دعم منتجها من أنظمة التشغيل، يعني هذا حرفيًا أنها غير مسؤولة عن مد النظام بالتحديثات، كما أنها لن تضع النظام من ضمن أولوياتها، وأن أي خلل أو تهديد أمني يهدد المستخدم هو مسؤوليته الشخصية. لكن هذا لا يعني انعدام إمكانية أن تتراجع الشركة وتقم تحديثاً، من الممكن أن يتم ذلك لكنها لا تلتزم به.
وقد حدث وأن أطلقت مايكروسوفت تحديثًا أمنيًا لمجموعة من إصداراتها من أنظمة التشغيل (من ضمنها ويندوز7 وويندوز XP) في مايو 2019، لإصلاح ثغرة أمنية خطيرة في أداة Remote Desktop Services، كان ذلك بعد أكثر من خمس سنوات من انتهاء الدعم الرسمي لويندوز XP. وفي الحقيقة أن الدعم والتحديث الأمني الذي أطلقته مايكروسوفت وشمل أيضاً ويندوز XP، لم يكن متاحًا عبر بوابة التحديث المدمجة مع ويندوز، بل كان من فقط من الممكن تحميله ثم تثبيته يدويًا.
هذه الخطوة ربما تبشر الذين ما زالوا يستخدمون ويندوز7 أنه ربما إذا ظهرت أي ثغرات أمنية جديدة، ربما تراع مايكروسوفت نفسها لتطلق تحديثا خاصا كما حدث مع ويندوز XP.
معظم الشركات لا تحتاج الكمبيوتر إلا لمهام بسيطة
في العادة تتسم مهام الشركات بالبساطة، فأغلبها هي مهام إدارية بسيطة، كالمراسلات البريدية، وإعداد التقارير ببرامج التحرير والمحاسبة، والوصول إلى الإنترنت بشكل محدود. هذه المهام في العادة لا تتطلب نظم تشغيل حديثة أو مواكبة، فأي نظام تشغيل حتى وإن كان خارج الدعم من الممكن أن يشغل هذه المهام.
إضافة إلى ذلك فهناك أيضًا سهولة الاستخدام النسبية للأنظمة القديمة بالنسبة للموظفين غير المختصين بالحاسوب، فالأنظمة الحديثة في العادة ما يحدث فيها بعض التعديلات في طرق عمل بعض الأدوات، مما قد يشكل ربكة لبعض الموظفين، فلذلك في العادة لا تتحمس الشركات لوضع موظفيها في حالة اختبار للتعامل مع الأنظمة الحديثة، بل تختار أكثر الأنظمة شيوعاً، لتتفادى أي تعقيد بخصوص الاستخدام والوصول للأدوات.
غالبية الهجمات الأمنية تستهدف الأنظمة الحديثة والنشطة
إذا كنت مطوراً لأحد برمجيات الاختراق، فأنت في العادة لن تستهدف الأنظمة القديمة، بل ستستهدف الأنظمة الحديثة والشائعة، لذلك من النادر أن يقوم المخترقون بتطوير أدوات وبرمجيات الاختراق على أساس الأنظمة القديمة أو غير الشائعة، وبما أن معظم الأفراد والمستخدمين يستخدمون أنظمة حديثة نسبيًا فإن مطوري برمجيات الاختراق سيستهدفون الأنظمة الشائعة، مما يجعل الإصدارات القديمة في أمان نسبي من الاستهداف ببرمجيات خبيثة.
الأسباب ذات الطبيعة الأمنية التي ذكرناها، يبدو أنها هي نفسها التي تدفع الشخصيات المرموقة وذات الطبيعة الأمنية، كفلاديمير بوتين، للعمل بأنظمة قديمة نسبيًا، فأمثال هؤلاء لن يكونوا مستعدين لتجربة أنظمة حديثة، لم تكتشف كل ثغراتها، لذلك في العادة إما استخدموا أنظمة قديمة، أو استخدموا واحدة من الأنظمة غير الشائعة نسبيًا كتوزيعات لينكس مثلًا.